تقدم المسلسلات التلفزيونية الرمضانية نقطة انطلاق للنقاش حول مجموعة من القضايا الاجتماعية - من الطفيفة إلى المثيرة للجدل. هذا العام، حصد المسلسل الدرامي المصري "تحت الوصاية" اهتمامًا كبيرًا لتناوله التحديات التي تواجهها أم أرملة بعد وفاة زوجها. تحمل موضوعات المسلسل - التي تظهر في التمثيل المُؤثٍر لامرأة تعاني في ظل المجتمع الأبوي والنظام القانوني –تداعيات سياسية واضحة، لدرجة دفعت الضجة بشأن المسلسل عضوين في البرلمان المصري إلى المطالبة بمراجعة قوانين الوصاية.

هذا الاضطهاد الواضح الذي عانت منه بطلة المسلسل يحدث على نطاق واسع –ولهذا صارت له أبعاد سياسية، لكن الحياة الأسرية بشكل عام - حتى في أسعد المنازل - تعكس السياسات وتتعارض معها على مستويات متعددة.

ولادة طفل، تحميل مقطع فيديو

في مقطع فيديو على موقع يوتيوب حصد 22 مليون مشاهدة منذ تحميله في أوائل عام 2021، يدعو أب شاب اسمه أنس مشاهديه للمشاركة في فرحته بولادة طفله الثاني. في بداية الفيديو، تكون الساعة 9 مساءً تقريبًا، حينها كان أنس وزوجته يستعدان للذهاب إلى المستشفى. يصف أنس مشاعره بشأن اليوم المهم أمام الكاميرا قبل أن تظهر زوجته أصالة، الحامل في الشهر التاسع، وهي تحيي المشتركين في قناتهما، قائلةً “بصراحة بدي صوّر كل لحظة." يوافق أنس: "ما رح نخفي عليكم ولا شي. . . كأنه أنتم معنا". أ أحد مقاطع الفيديو المنفردة للزوجين التي حققت درجة أكبر من النجاح بالمقارنة مع لحظة الولادة هو مقطع فيديو يوثق الحفلة التي تم إعلان جنس المولود فيها في برج خليفة في عام 2020.

 

يجتمع نجوم يوتيوب العرب - ولا سيما من الذين ينحدرون من البلدان التي تعاني من النزاعات أو الأزمات الاقتصادية - في الإمارات العربية المتحدة، التي منحت ما يسمى بالإقامة الذهبية للأفراد الموهوبين لعدد من المؤثرين وشخصيات يوتيوب. لذا، أصالة وأنس يمثلان مجرد مثال واحد في بيئة يوتيوب دبي التي تعمل فيها العائلات التي تتخصص في تصوير حياتها اليومية، والتي تضم أيضًا عزة زعرور وزوجها نور، وعصام ونور، وشهد وسياماند وغيرهم.

 قنوات يوتيوب الخاصة بهذه الشخصيات، التي يركز محتواها على الأحداث اليومية في بيوتها ومع عائلاتها، هي من بين الأكثر اشتراكاً في المنطقة. واللافت في الفيديوهات الخاصة بها هو المشاركة النشطة للآباء في الأعمال المنزلية وانفتاحهم في مشاركة الأمهات في مهام رعاية الأطفال، بالإضافة إلى التفاوض بين الزوج والزوجة على تفاصيل التعاون أمام الكاميرا.

على سبيل المثال، في أحد الفيديوهات التي نشرها شهد وسياماند بعنوان "روتين يوم كامل بالبيت الجديد مع طفلين"، يقوم الزوجان بتوزيع المهام المتعلقة بتنظيم البيت ورعاية الأطفال لليوم، بل ويكتبان الوظائف المختلفة على ملاحظاتٍ لاصقة، وبتعيينها لبعضهم البعض. وبالمثل، يشرح عصام ونور، في مسلسلهما الرمضاني السنوي، كيف يتناوبان على القيام بواجبات الطبخ كل مساء على مدار الشهر.

علاوةً على ذلك، يمتلك الأب السعودي محمد مشيع واحدة من أفضل القنوات أداءً في المنطقة، والتي تركز على أنشطته اليومية مع أطفاله الأربعة. في مقابلة أجريت معه عام 2020، أوضح مشيع أنه تلقى رسائل "من نساء قلن إنه بعد ما بدأ أزواجهن في مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بنا، بدأوا يخرجون كعائلة أكثر لأن هذا ما نفعله. . . حقيقة أن المحتوى الذي نقدمه يجعل الناس أكثر حبًا هو أمر مميز حقًا بالنسبة لي".

في حين أنه من الواضح أن دور الآباء جزء لا يتجزأ من صنع محتوى الفيديوهات العائلية، فإن هذا النوع من الأدوار الأبوية ليس بالضرورة المعيار في جميع أنحاء العالم العربي. وبالتالي، فإن ما تقدمه عائلات يوتيوب العربية هو نموذج أكثر مساواة وصراحة للحياة الأسرية يتحدى الصور النمطية للزوج والأب ذي الميول الاستبدادية والذكورة السامة.

ومع ذلك، في حين يمكن اعتبار تصوير التعاون الزوجي في الفيديوهات العائلية أمرًا جدير بالذكر، فإن الأدوار التي تتبناها عائلات يوتيوب هذه لا تزال - جزئيًا على الأقل - تقليدية. في الواقع، أنشأت بعض الزوجات في عائلات يوتيوب المشهورة، بما في ذلك شهد من شهد وسياماند ونور من عصام ونور، قنوات خاصة بهن ناجحة، وهي تدور حول مواضيع تتعلق بحياة المرأة مثل الجمال والموضة وعادات التنظيف.

في هذا السياق من الممكن القول إن هذه العائلات تستغل الأدوار التقليدية لتحقيق الربح بدلاً من معارضتها - وهو اتجاه لوحظ أيضًا في تجارب النساء العرب اللواتي يقدمن برامج طبخ بارزة على يوتيوب. يعد القرار بصنع محتوى يستهدف النساء قراراً استراتيجيًا، كما أن تركيز هذا المحتوى على التنظيف ينعكس في أحدث البيانات بشأن توزيع الأعمال المنزلية بين الجنسين التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة والباروميتر العربي.

المشهد السياسي داخل البيت

يُعد توزيع الأعمال المنزلية في العالم العربي غير عادل بشكل مذهل. وفقًا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، تشهد المنطقة أكبر فجوة في العالم بين الإناث والذكور من حيث الوقت الذي يلتزم به الطرفان لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، حيث تقضي النساء ما بين 17 و34 ساعة في الأسبوع في هذه المهام، ويقضي الرجال ما بين 1 إلى 5 ساعات فقط في المتوسط.

أما فيما يتعلق بالآراء حول الحياة الأسرية، فتشير نتائج استطلاع الباروميتر العربي لعام 2022 إلى أن الآراء تتغير ببطء لصالح مساواة المرأة، ومع ذلك فإن وجهات النظر التقليدية لا تزال سائدة. في نصف الدول العربية التي شملها الاستطلاع في عام 2021، اتفق ستة من كل عشرة على الأقل مع فكرة أن الرجل يجب أن يتخذ جميع القرارات النهائية المتعلقة بالأسرة. بالإضافة إلى ذلك، أبرزت الدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (IMAGES) الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن عُشر إلى ثُلث الرجال فقط في مصر ولبنان والمغرب وفلسطين (وهي البلدان العربية الأربع التي شملها الاستطلاع) قالوا إنهم قد قاموا مؤخرًا بمهمة تعتبر تقليديا نسائية، مثل الطبخ والتنظيف وتحميم الأطفال. ربما كما هو متوقع في ضوء هذا السياق، وفقًا لنفس لاستطلاع، فإن غالبية الرجال أيدوا فكرة أن أهم دور للمرأة هو العناية بالأسرة.

ما وراء يوتيوب

أصبحت طبيعة الأبوة موضوعًا متفاعلاً في أوائل عام 2022 عندما أثار الفيلم "أصحاب ولا أعزّ"، الجدل في الشرق الأوسط، لا سيما لإبرازه شخصية مثلية الجنس وامرأة متورطة في علاقة خارج نطاق الزواج وكذلك لتصويرها لمحادثة بين والد وابنته حول علاقتها بصديقها. جورج خباز، الذي يلعب دور الأب، قال في مقابلة إن الفيلم "يشجع على الانفتاح والشفافية بين الوالدين وأطفالهم"، وأضاف أنه "في العالم العربي، التواصل مغلق إلى حدٍ ما بين الجيلين". على الرغم من الجدل الدائر حول الفيلم - والذي دفع عضو في مجلس الشعب المصري للدعوة إلى فرض حظراً على شركة نتفليكس - فقد اعتبر من بين أكثر أفلام نتفليكس مشاهدةً في الشرق الأوسط.

لفترة طويلة، كان أصحاب السلطة الراسخون في الشرق الأوسط حذرين من انتقال القيم الثقافية المزعومة بأنها أجنبية، من خلال التكنولوجيا والعولمة. الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، حظرت في عام 2022 عرض فيلم بيكسار بعنوان "Lightyear" بحجة أن القبلة مثلية الجنس التي تم تصويرها في الفيلم تنتهك المعايير الإعلامية للدولة. وبالمثل، فإن معظم البلدان العربية أيضًا حظرت الفيلم، بالإضافة إلى عدد من الأفلام التي تمثل أو تشير إلى قضايا مجتمع الميم.

بالمقارنة، ومن النظرة الأولى، لا يوجد شيء مثير للجدل في المحتوى الذي تنتجه عائلات يوتيوب العربية، وعادةً لا توجد فيه موضوعات تعتبر من المحرمات – أكثر مما يثير الانتقاد في صندوق التعليقات. ومع ذلك، فإن شخصيات يوتيوب هذه تتحدث بصدق شديد، وتدعو المشاهدين إلى التعرف على حياتها الخاصة وعلاقاتها. لا يعرف بعد التأثير طويل الأمد المحتمل لهذه القنوات، لكنها قد تؤدي إلى تحولات في الآراء بين المشاهدين، حيث يُفترض أن وجهات النظر حول الأدوار والقضايا الاجتماعية في المنطقة تتأثر جزئيًا على الأقل بالتصورات حول ما يعتقده النظراء الاجتماعيون وما يفعلونه.

في فترة ما بعد الربيع العربي، أدركت الحكومات العربية بالتأكيد التداعيات الاستفزازية المحتملة لمنصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب. لكن على المدى الطويل، قد تكون رغبة عائلات يوتيوب في "تصوير كل لحظة" بنفسها، هي المحتوى الأهم سياسيًا. وليس من الواضح بعد ما إذا كان أي من أعضاء البرلمانات في المنطقة يراقبون هذه التحولات ومدى تأثيرها سواء الاجتماعي أو السياسي.  

كيتلين هاشم مُحررة اللغة الإنجليزية لمطبوعة صدى. لمتابعتها على تويتر: @KaitHashem.